بالرغم من التوتر الشديد الذي تشهده هذه البلاد، وبالرغم من الرعب الذي نشره جيش الاحتلال الصهيوني في قلوب أطفالنا... بالرغم من المجازر التي نفذها هذا الجيش في مخيماتنا وقرانا ومدننا، ضد العزّل من أطفالنا ونسائنا ومدنيينا، ضد الطير والشجر والحجر، وهذا ليس من قبيل الكلام الأدبي المنمق... فالناظر في أرجاء هذه المدن والقرى والمخيمات، يعرف أنها كانت -وما زالت- محطةً لغزاةٍ لا يرحمون... بالرغم من كل ذلك، أحببت أن أكتب لك أيها المواطن الإسرائيلي... حتى أستخرج من جوانب روحك بعضاً من الحق والحقيقة إن كان لهما وجود.
أما مناسبة الكتابة، فهي رؤيتي لبوابة خاصة أقامتها شرطتك في مكان حدوث العملية الاستشهادية في مفترق التلة الفرنسية، بقصد منع هذه العمليات، بحثاً عن أمن مفقود لك ولأطفالك.
لقد اكتشفتُ من هذه البوابة أن حكومتك لم تفهم جيداً أن كل ذلك لن يمنع رجلاً يريد أن يموت شهيداً في سبيل وطنه من تنفيذ مبتغاه... حتى لو ألقت شرطتكم القبض عليه باليد، فإنه يستطيع أن يضغط عل الزر ليحرمكم من نشوة الانتصار عليه، وهو في الحالتين... سوف يموت.
وأولى مشكلات النقاش بيننا وبينكم عدم فهمكم لمعنى الشهادة... فهي ليست ارتقاءً للعلى ذودا عن الحياض فحسب، ولكنها أرفع ايات التضحية من أجل القضية... إنها ليست البحث عن الجنة والحورالعين فحسب، ولكنها أهم طرق النضال والمقاومة المشروعة ضد الاحتلال. هل يعتقد أحدكم أن نعت الاستشهادي بالإرهابي سيغير من الأمر شيئاً؟ فالحياة الاخرة غير مرتبطة بتعريفاتكم للارهاب، وإلهنا الواحد لن يأخذ رأيكم في هذا الموضوع عند الحساب، ولن يستخدم الأفكار الدنيوية في ذلك... الإرهاب فكرة شريرة ينفذها أشرار، والأشرار لا يمكن أن يضحوا بأرواحهم وأنفسهم من أجل أفكارهم، بل إنهم يفتدون أنفسهم بكل ما يملكون... ومن يملكون.
ومن المضحك أن تحمل حكومتكم المسؤولية للسلطة ورئيسها... ولكن المضحك أكثر أن تنطلي عليك وعلى أبناء شعبك هذه الحيلة... فلأنه لا يوجد أية طريقة لايقاف الاستشهادي عن تنفيذ مبغاه، فمن غير الممكن أن تستطيع السلطة ايقافه، وهو نفس السبب الذي يمنع شارون من تحمل المسؤولية ويجعله يلقي بالكرة في ملاعب الاخرين. مع أن الحل بيده، ولكنه حاقد ومغرور لدرجة تمنعه من التصرف بشكل سليم والاعتراف بالهزيمة أمام المقاومة، لذلك فهنالك دور مهم لك كمواطن إسرائيلي تضره هذه العمليات.
هنا في أوساط الشعب الفلسطيني، نجد أنه من الضروري أن يتألم الاسرائيليون كما نتألم نحن. فلقد قتلت حكومتك عمي (الشهيد ثابت ثابت) اغتيالاً، وتركتنا في حزن شديد عليه، وكان من العدل أن تنتقم المقاومة له ولكل الشهداء، والبادئ أظلم... والاحتلال هو الذي يبدأ بالعدوان... وإلا، فلماذا يسمى احتلالاً؟ فإذا كانت العملية الاستشهادية الواحدة تقتل منكم عشرةَ أشخاصٍ أو عشرين، فإن مجزرةً واحدة ينفذها جيشكم الإرهابي تقتل منا المئات بل الألوف... وقد اعترف شارون بذلك بنفسه.
لقد تفوقنا عليكم في معادلة توازن الرعب، فنحن شعب لا يخاف الموت، بل يتمناه إن كان لازماً للدفاع عن الوطن. أنتم تخافونه لأنكم لا تدافعون عن الحقيقة... وإذا كنا قد تضررنا اقتصادياً، فإن اقتصادكم أكثر ضرراً... لأننا نملك اقتصاداً بسيطاً وناشئاً. لذلك فإن الرد على هذه العمليات بقصف الـ"F16" والأباتشي، لن يمنع العملية التالية من الحدوث... وهكذا حتى يصل اليقين الى قلوبكم وتطالبوا حكومتكم بالتخلي عن احتلال بلادنا حتى يوقف الشعب الفلسطيني المقاومة، فحصوله على حقوقه كافة هي الحل الوحيد ابتداءً من إقامة الدولة حتى عودة الاجئين دون انتقاص أواجتزاء.
كما أن منع حكومتك للسكان المدنيين (غير الاستشهاديين) والمرضى والحوامل من الوصول الى مدنهم وأماكن علاجهم وأبواب رزقهم، يقتضي -كما يقتضي العدل- أن تفكر ألف مرة قبل أن تقرر الخروج الى ملاهيك الليلية ومطاعمك... وذلك حتى نجد حلا منصفاً يعيد لنا حقوقنا، وينهي الاحتلال، بل ويعاقبه على جرائمه ومجازره.
وأخيراً، إن اكتمال الصورة التي أحببتُ أن اوصلها لكم، يقتضي أن أتحداك أن تنشر صحفكم مقالي هذا؟ لن تفعل، ولكنها تنشر مقالات المتطرفين منكم بسهولة... وهذه قضية مهمة توحي لي برسالة أخرى أكتبها لك عن ديمقراطيتكم المشوهة والعنصرية التي تعشش في صميم أفكاركم