نصوص نثرية الرقص على انغام القدائف

لا بد أن الأصوات التي تنتهي الى مسامعي الآن، هي لقذائفَ تتساقطُ على منازل المدنيين الآمنين في هذه الساعة المتأخرة من الليل على أطراف مدينة البيرة، لكي تهدي الى الأطفال ترانيمَ على طريقة المعتدي الغاصب… ثم يصبح النوم مستحيلاً.

الرشاشات الثقيلة التي تقضُّ المضاجعَ، وتسلب من البشر الحياةَ، وعلى الرغم من قوة أصوات انفجاراتها، إلا أنها لم تصل الى حيث يُقام الآن برنامجٌ مشهور على احدى الفضائيات العربية، فاستمر البرنامج، واستمرت الراقصات فيه يؤدينَ أدوارهن ببراعة دون توقف… ولو حتى احتراماً لدماء الشهداء الستة الذين سقطوا يومَ الجمعة الموافق ليوم الأرض.

ألا يستحق الأطفال الذين يُستشْهَدون يوماً بعد يوم أن نخشع أمام تضحياتهم، وأن نحترم دماءهم الطاهرة. فكيف يحلو لكم الرقص وفي نابلسَ اليوم أمٌّ تودع ابنها الشهيد مذبوحةً من أعماق أعماقها؟ من لها يكفكف دموعها ويواسيها فقدانَها فلذةَ كبدها؟

يبدو أن الإهانات التي يوجهها أعداء الأمة الى العرب لا تكفي هؤلاء الراقصين على الجراح… فالفيتو المشرع في وجوه الزعماء المجتمعين، والقصف المدمر لرام الله وغزة، يعتبران اهانة لهم جميعاً واستخفافاً بوزنهم أمام شعوبهم وأمام الغرباء، ثم تأتي هذه الفضائيات لتخبرنا أنها تستخف (وبالتالي تهين) بكل الدماء العربية الفلسطينية التى تعبُّها اسرائيل بتلذذ وشهوة.

نحن لا نريد أن نفرضَ نوعاً من "النكد" على أبناءِ جلدتنا. ولكننا نستغرب حتى من تفاهة وتدني المستوى الثقافي لمثل هذه البرامج التي تمثل عند هذه الفضائيات استبدالاً للأفلام الإباحية التي يستحيل عليها عرضها، لأنها لا تستطيع.

كما أن هذه البرامج (ومثلها الكثير) ممكن أن توصلَنا الى قناعة باستحالةِ التضامن العربي الكامل على كل الأصعدة والمستويات. فحتى تستطيع الأنظمة أن تتضامن مع شعب فلسطين، يجب على شعوبها أن تتضامن بالروح والجسد مع هذا الشعب الذي يتصدى للآلة العسكرية لعدو الأمة بصدورٍ عارية.

لكنّ الظاهر أن هنالك من يحب أن يرقص (بصدورٍ عاريةٍ أيضاً) على أنغام القذائف التي ترعب الأطفالَ، وتدمر البيوت، وتزهق الأرواح…

كما يبدو أنك يا شعبيَ المناضل لم تقدم من التضحيات ما يكفي ليسمع هؤلاء صوتَك المذبوح. أو أنك أخطأت الحساب حين انطلقتَ بانتفاضتك العظيمة، فجاءَت في غير وقتها المناسب…

آمل أن يصل صوتي الى الذين لا يسمعون، حتى يعرف كل واحدٍ منهم أن القدماء قالوا :"إن لم تستحِ فاصنعْ ما شئتْ…"